أثار تصريح رئيس الحكومة المغربية السيد العثماني بقوله إن حكومته لا تتوفر حاليا على أي تصور واضح لما سيتم عمله في المستقبل القريب، بقدر ما هناك لجنة تحاول وضع سيناريوهات مختلفة، أثار تساؤلات ومواقف سلبية من قبل الرأي العام الوطني، والحقيقة أن من يضع تصريحه في سياقه السياسي المغربي سيبدو له طبيعيا تماما للأسباب الثلاثة الآتية
أن التصورات الاستراتيجية للسياسات الكبرى لا تضعها الحكومة، بل هي توجيهات عامة تتقرر لدى الجهات العليا ويتم بعد ذلك تدقيق تفاصيلها التنفيذية في الحكومة، ولهذا فكلام رئيس الحكومة يعني بلغة السياسة المغربية ، « نحن في انتظار « الإشارات » لمعرفة أي اتجاه سنأخذ ». وفي هذا الصدد علينا أن نتذكر بأن جميع الإجراءات الرئيسية التي تقررت في حالة الطوارئ الحالية لم تكن في أي منها سياسة حكومية
أن ذوي القرار في المغرب لا يعملون في الغالب باستراتيجيات بعيدة المدى بل يفضلون التاكتيك الظرفي لأنه يمكنهم من تغيير سياساتهم بنسبة 180 درجة، والتخلي عن اختياراتهم حسب الظروف المستجدة. وهو ما يفسر فشل المغرب في الوفاء بالتزاماته الكثيرة، والسير في اتجاه التطور والتغيير بخطى ثابتة
أنّ الدول التي تخطط للمدى البعيد تكون قبل ذلك قد أرست نموذجها الديمقراطي وحسمت في الاختيارات الكبرى والمبدئية التي لا رجعة فيها، بينما يتميز المغرب بالتردّد في الحسم في تلك الاختيارات، ما يفسر خوف الديمقراطيين الدائم من التراجعات والنكوص، كما يفسر ضعف الثقة في المؤسسات
ولعل نموذج ذلك التردد المذكور هو صياغة فقرات الدستور بعبارات ملتبسة ومغرقة في العمومية والتناقض، حتى تكون لدى السلطة مخارج عند الضرورة للتنصل من التزاماتها أو لعدم تفعيل مضمون الدستور، وهو ما عشناه ونعيشه منذ 2011